لأرشيف الوطني يصدر كتاب:( تجوال في المحيط الهندي )
من أحدث إصدارات الأرشيف الوطني
تجوال في المحيط الهندي .. رحلة شائقة، ودورة بحرية حول جزيرة العرب
يتناول كتاب (تجوال في المحيط الهندي) الصادر عن الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة رحلة شائقة لموظف دولة برتغالي قَدِمَ من أوروبا عبر المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي بطريق رأس الرجاء الصالح، في مطلع القرن السادس عشر، وجال في قبالة الساحل الشرقي لقارة إفريقية صعوداً إلى القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ثم دار دورة بحرية حول جزيرة العرب، من السويس والساحل الغربي للجزيرة، ثم اجتاز باب المندب إلى سواحل اليمن الجنوبية وحضرموت، وظفار وعُمان، ثم عَبر الخليج العربي؛ فذكر أرض الإمارات العربية، والبحرين، وجزيرة هرمز ذات التاريخ العربي العريق، ثم تابع طريقه عبر المحيط صوب الهند، الغاية المنشودة لطموح أوروبا التجاري آنذاك.
ويقدم الكتاب وثيقة تاريخية لبعض مواقع الإمارات العربية كما كانت إبّان اجتياح الأسطول البرتغالي بقيادة أفونسو دالبوكيركه للمنطقة عام 1507م، ويبقى الوصف الموجز الذي قدمه الكتاب بمثابة سجل تاريخي موثوق، وبصمة واضحة لشاهد عيان حول هذه البقعة من الجزيرة العربية.
ويورد الرحالة أنه بعد أن خرج من الأراضي العمانية تابع مسيره حتى وصل إلى منطقة كبيرة تحتوي على عدد كبير من السكان يطلق عليها اسم خورفكان، يحيط بهذه المنطقة والمناطق المجاورة لها عدد كبير من المنازل الأنيقة التي تعود إلى أعيان ووجهاء المسلمين في هرمز، الذين يأتون إليها في أشهرٍ محددة من السنة للاستجمام والراحة، ولجلب الحاجات الرئيسية والمؤن اللازمة، والتمتّع بالفاكهة، وعلى بعد خمسة عشر فرسخاً من هناك منطقة أخرى على الساحل، تسمى ضدنه وبالبعد ذاته إلى الجنوب الغربي موقع آخر يدعى دبا.
ويتابع الرحالة وصفه: وبالمسير على الساحل باتجاه الجنوب الغربي وميل إلى الغرب خمسة وثمانين فرسخاً توجد مدينة أخرى كبيرة جداً تدعى جُلفار فيها مجموعة كبيرة من الناس المُعتبرين والمحترمين جداً، والعديد من التجار والبحارة. وهناك يصيدون الكثير من اللآلئ وصغار اللؤلؤ (الشذر) فيأتي تجار مدينة هرمز إلى هذا المكان لشراء اللآلئ بهدف بيعها في الهند والمناطق الأخرى. ويجري في هذا المكان الكثير من النشاطات التجارية، ويعود بعوائد مالية هائلة إلى ملك هرمز. وتتابع الرحلة قُدُماً على طول شاطئ الخليج العربي، في جزئه الداخلي، حيث توجد ثلاث مناطق أخرى تتبع ملك هرمز، هي: رأس الخيمة وهي مدينة متميزة على بعد أربعة وعشرين فرسخاً، وأخرى بعدها تدعى أم القيوين، وعلى بعد ستة فراسخ حصن يسمى كلباء، يحتفظ به الملك للدفاع عن بلاده، في وجه الذين يخوضون حروباً ضد المدن التي يحكمها ملك هرمز، ويعرض الكتاب أحداثاً طريفة ومهمة لمَا حدث خلف الكواليس في بلاط مملكة هرمز، وكيف وقف القائد البرتغالي إلى جانب ملك هرمز حتى استعاد سلطته كاملة على البلاد بعيداً عن سيطرة الحكام ومن لفّ لفيفهم، ولكن ذلك المعروف والدعم جعل ملك هرمز المقيم في القلعة البرتغالية لا يأتي بأي عمل دون الأخذ بنصيحة قائد القلعة. وظل هو وجميع مملكته وتابعوه خاضعين لملك البرتغال. وتجدر الإشارة إلى أن مخطوطة هذا الكتاب تعود إلى بدايات عام 1500 وقد حوت الكثير من التفاصيل التاريخية المهمة، كالبيانات الخاصة بالاستيلاء على هرمز، وتأسيس الحصن البرتغالي في كاليكوت، واعتراض البرتغاليين للتجارة الهندية مع السويس بالسيطرة على السفن الهندية، وثورة الشاه إسماعيل وغيرها مما حصل في عام 1514م تقريباً.
ويقول المؤلف في الطبعة البرتغالية أنه أمضى زمناً طويلاً من شبابه بالتجوال في جزر الهند، ويشير لما بذله من جهد حتى تمكن من وصف المدن والممالك التي وصلها أو التي حصل على معلومات موثوقة عنها؛ فهي بلدان خاصة بالمسلمين أو بالوثنيين، وقد كتب عن عاداتهم وتقاليدهم ولم يهمل نشاطاتهم وتنقلاتهم، وما يتوفر لديهم من البضائع، ومكان إنتاجها والمناطق التي تُنقل إليها.
وحين يعرّف الكتاب بالمؤلف دوراته باربوزا يذكر أن خدمته في سلك الدولة بالهند امتدّ حتى 16 عاماً من سنة 1500 إلى سنة 1516م، ثم عاد بعدها إلى البرتغال، وأتمّ مخطوطة كتابه المعروف بعنوان" كتاب دوراته باربوزا" أو " وصف سواحل إفريقية الشرقية والمالابار" وقد سجل في كتابه هذا وصفاً لطبوغرافيا البلاد الأجنبية وأحوالها المدنية والتجارية وعادات شعوبها.
هرمز .. نموذجاً
ويعرّج الكتاب على جزيرة ومدينة هرمز؛ إذ يصل بعد الخروج من البحر ومضيق الخليج العربي إلى جزيرة صغيرة فيها مدينة هرمز الصغيرة والجميلة جداً، وفيها المنازل الأنيقة المشيدة بالحجر والطين والمطلية باللون الأبيض، وفيها كثير من الشرفات، وهي مدينة مرتبة فيها الشوارع والساحات. يستخرج من جبل فيها الملح بشكل كتل كبيرة وهو جيد وناصع البياض، ويطلق عليه اسم الملح الهندي، وتتجه السفن البحرية من جميع الأنحاء لحمل هذا الملح لأنه يكلف الكثير من المال في المناطق الأخرى، ولا يوجد في الجزيرة شيء يمكن استخدامه سوى الملح.
ويشير الكتاب إلى أن سكان جزيرة هرمز هم من العرب والفرس، ويعدد البضائع التي يقوم عليها النشاط التجاري إلى هرمز بما فيها الماء، حتى أنه يذكر أن التجار يأخذون اللؤلؤ الكبير والشذر "اللؤلؤ الصغير" إليها من جلفار، والخيول من جزيرة العرب.
ويبين الكتاب أن المسلمين في هرمز يرتدون ثياباً أنيقة جداً، يغلب عليها اللون الأبيض الناصع، ويسلط الضوء على أبرز العادات والتقاليد في هذه الجزيرة، ويشير إلى أن المنزل الخاص بالملك يكون ضمن قلعة، يحتفظ فيها بكنوزه وبلاطه الملكي، ومجلسه الخاص ومستشاروه هم المسؤولون عن القيام بجميع المهام، وهو لا يتدخل في أي شأن، وحتى لو رغب في المشاركة واتخاذ القرارات فهذا بعيد عن سيطرته الحقيقية، وظلت الأمور تسير وفق هذا النمط إلى أن غيّرها البرتغاليون، وأعادوا للملك حصانته وقدرته على حكم شعبه.
الصين ... نهاية المطاف
وبعد رحلته الطويلة التي حلت بعدد كبير جداً من الجزر يصل المؤلف إلى الصين، وينقل مما يقال عنها بأنها كبيرة جداً، تمتد على طول شاطئ البحر، ولها الكثير من الجزر، ويحتفظ ملك الصين بحكامه وعدة قادة هو الذي يعينهم، ويقيم الملك دوماً داخل البلاد.
ويصف الكتاب هيئة سكان الصين وملامحهم حينذاك، وطعامهم، ولباسهم وتجارتهم، ويتوقف في جزر ليكيوس في الجهة المقابلة لبلاد الصين.
في نهاية الكتاب: خرائط ونقوش ورسومات قديمة لبعض المدن والبلدان؛ كنقش مدينة مومباسا في إفريقية الشرقية وغيرها.
وتحفل بداية الكتاب أيضاً بالصور المرسومة مثل صورة فاسكوداغاما، القبطان ونائب الملك بالهند البرتغالية عام 1524، وفرانسيشكو دالميدا حاكم الهند البرتغالية (1505- 1509 م) والقائد البرتغالي تريستاو دا كونيا، وأفونسو دالبوكيركه حاكم الهند البرتغالية،.. وغيرهم.
الكتاب: تجوال في المحيط الهندي
الناشر: الأرشيف الوطني، 2017، 289 صفحة
تأليف: دوارته باربوزا
ترجمة: د. أحمد إيبشس