لأرشيف الوطني يحتفي بتوقيع أحدث إصداراته “في قلب الصحراء”
الأرشيف الوطني يحتفي بتوقيع أحدث إصداراته "في قلب الصحراء"
أطلق الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة أحدث إصداراته كتاب: (في قلب الصحراء) في ركن التوقيع بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب2016، وبحضور سعادة الدكتور عبدالله الريس مدير عام الأرشيف الوطني، قام المؤلف مايكل كوينتين مورتون بتوقيع كتابه الذي أصدره الأرشيف الوطني حديثاً.
ومن جانبه قدم سعادة الدكتور عبدالله الريس للحاضرين تعريفاً بالكتاب، فأوضح أن تاريخ دولة الإمارات العربية خاصة ومنطقة الخليج عامة يستدعي توثيقاً شاملاً، وهذا هو دور الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي يحتفظ بعدد كبير من الوثائق التاريخية التي من شأنها توثيق ذاكرة الوطن، وكتابة التاريخ بتفاصيله، وفي هذه الالتفاتة من الأرشيف الوطني استكمال لدوره الأساسي في حفظ ذاكرة الوطن وتوثيقها، ثم تحدث سعادة الدكتور الريس عن النقلة التي شهدتها البلاد على أيادي القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- وإخوانه الآباء المؤسسين، التي يبرهن الكتاب عليها حين يصور واقع الحياة في الماضي وما كان يشوبها من شظف العيش.
وأضاف الريس: إن كتاب (في قلب الصحراء) توثيق –حرص عليه الأرشيف الوطني- لما فيه من دقة في تصوير واقع الحياة -قبل ظهور النفط- بمختلف جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ليس في دولة الإمارات فحسب وإنما في جميع دول الخليج العربية.
وهنّأ مدير عام الأرشيف الوطني المؤلف على الجهد الكبير والمثمر الذي بذله، وعلى كتابه الثري بالمعلومات وبالوثائق والصور التاريخية التي ستثري ذاكرة الوطن، وتكون زاداً للأجيال القادمة.
في ربوع قلب الصحراء
كتاب "في قلب الصحراء" الصادر حديثاً عن الأرشيف الوطني تبدأ أحداثه في فبراير عام 1954 حين رست سفن شركة نفط العراق، بعد أن ظل شبه الجزيرة العربية موقعاً قلما اهتم الجيولوجيون به حتى عشرينيات القرن الماضي. وكان أول اكتشاف نفطي في جزيرة "عوالي" البحرينية عام 1932م.
بدأ والد المؤلف رحلته الاستكشافية عبر الشرق الأوسط عام 1945م، وكان يعمل مع الجيولوجيين والمساحين، وضباط الاتصال السياسيين، وكان يحظى بدعم من شركة نفط العراق، وبعد ربع قرن أكمل مايك رحلته عندما زار الطرف الشمالي الأقصى لشبه الجزيرة العربية بصفته قائداً لبعثة الجمعية الجغرافية الملكية إلى شبه جزيرة مسندم.
وفي إبريل عام 1970 وصل مايك مورتن إلى "رأس دقم" قادماً من عدن، وهناك يبرز الكتاب التحدي الكبير من أجل الاستكشافات الجيولوجية، ويكشف عن قدرة الصحراء على أسر قلوب الرحالة واجتذابهم إليها مرة أخرى.
تبدأ فصول الكتاب بالفصل الأول وعنوانه: "بابا كركر" ويكتب فيه مايك لزوجته هيثر رسالة يصف فيها الصحراء وجاذبية البراري في الليل والنهار، ويتحدث عن ظاهرة وجود الغاز في "بابا كركر"، والدليل على ذلك اسم "بابا كركر" الذي يعني "أبو القرقرة الجوفية"، وكان المكان معروفاً بغازاته المشتعلة التي تنفذ من الصدوع الموجودة في تكوين الأرض، وكانت تلك المشاعل التي تتقد في الليل من عوامل الجذب السياحي في كركوك.
كانت المصالح الإستراتيجية والتجارية وليس النفط أول ما جذب البريطانيين نحو العراق، وذلك عندما أسست شركة الهند مصنعاً في ميناء البصرة عام 1763 وفي القرن العشرين كانت الحاجة المتزايدة للعثور على النفط هي التي تحرك المصالح البريطانية في المنطقة، ويصف الكتاب لحظة بلحظة تدفق النفط في منطقة "بابا كركر"، والثقة الكبيرة التي تركها ذلك في نفوس العاملين في شركة النفط ولدى إدارتها.
وفي الفصل الثاني الذي حمل عنوان: "هبوب الرياح الباردة" يعرب المؤلف عن حنينه إلى موطنه الأصلي في مدينة هدرز فيلد الشهيرة بصناعة النسيج، ثم يسرد شيئاً عن حياته ودراسته، وعن الأسرة التي نشأ وترعرع فيها، ثم اهتمامه بالجيولوجيا، والوظائف التي شغلها في الشرق الأوسط، وركز الفصل الثالث "المدينة المقدسة" في عوالم مايكل مورتون في فلسطين وشرق الأردن، وفي هذا الفصل يرسم المؤلف صورة واضحة ومفصلة لمدينة حيفا في فلسطين، ثم أجواء العمل التي تسودها المفارقات والقصص المثيرة التي تصف مجريات حياتهم وهم يعملون شرق الأردن وسط ظروف مهما رقت تظل قاسية جدًّا.
ويكمل في الفصل الرابع واصفاً الحياة وسط البدو الذين عرفهم بأنهم لا يتغيرون أبداً، ويتمتعون بعظمة قوم عاشوا طويلاً في الصحراء، فالعادات والتقاليد أساس حياتهم، ويستمدون قوتهم من دينهم، وهم يملكون إرادة قوية للحياة في بيئتهم القاسية، وهو ما يضفي عليهم النبل، ويجلب لهم الاحترام. وكان مايك يجمع الأحافير أثناء رحلته في فلسطين وشرق الأردن، وهو متأكد أن تقسيم الصحراء إلى دول أثّر كثيراً في حياة البدو، وينتقل الكتاب في الفصل الخامس إلى حضرموت، وإلى محمية عدن الشرقية حيث التقى ويلفريد ثيسجر الذي كان يستكشف شبه الجزيرة العربية، ثم التقيا في ظفار عدداً من البدو الذين رافقوا الرحالة الكبير لدى عبوره صحراء الربع الخالي.
ويصف الكاتب أحوال اليمن وطبيعته حينذاك، ورحلة الطيران التي نقلته إلى المكلا، ومنها إلى بومباي. كما يصف مباني المكلا البيضاء، وقصر السلطان القعيطي المشيد على الشاطئ وهو أجمل مبنى في المكلا.
ويتابع مايك وصف تحركات فريق شركة النفط بين قرى مدن اليمن، وزيارتهم قبر النبي هود، ثم عودتهم إلى سيئون، وما كانوا يلاقونه من حفاوة وكرم ضيافة. وبدأ الفصل السادس الذي يحمل عنوان: "أرض الشمس والنار" بالحديث عن الشخصيات التي تتميز بالجسارة وحب المغامرة ممن رافقهم مايك، وهو يشير إلى أن البعثة اجتازت بلاد المهرة، وهي مجموعة من الجبال غير المترابطة تنتهي عند بحر العرب، ويصف مايك تجهيز قافلة الإبل التي اجتازت أرض المهرة، وكيف بدأت الأحوال تتغير مع عبور حدود أرض المهرة، ولا يتوقف مايك عن وصف تفاصيل رحلته على أرض اليمن، ومعاناتها ومفاجآتها، وما تخلل ذلك من لحظات ومواقف سعيدة.
وفي "ظفار... الأرض التي رعاها الله" حسب عنوان الفصل السابع يشير الكاتب إلى اهتمام شركات النفط بظفار بعد طول هجر، وكيف حرص السلطان على تعزيز البحث عن النفط في ظفار.
ويشيد مايك بأرض ظفار المباركة، التي تفيض باللبن والعسل، وكانت بجوّها البديع مصيفاً للسلطان في قلعته البيضاء بنوافذها الحمراء في بستان نخيل جوز الهند، وفي ظفار التقت بعثة شركة النفط السلطانَ سعيد بن تيمور، وبعد ذلك جُهِّز فريق البعثة الذي لاحظ قلة فرص اكتشاف النفط -وربما انعدامها- في ظفار، ويحطّ مايك رحاله في الفصل الثامن بمدينة حلب السورية حيث عاش فيها حياة مختلفة تماماً عمّا سبق؛ إذ استمتع بالحياة الاجتماعية.
ومن حلب ينتقل مايك في الفصل التاسع إلى قطر وعُمان، وفي ذلك عودة إلى الصحراء، التي تعتمد فيها شؤون كل قبيلة على شخصية شيخها.
ومن قطر انتقل إلى عُمان، ثم البريمي التي كان يشاع عنها أنها تعوم على بحر من النفط، وتحدث نقلة نوعية في سيرة البعثة مع وصول ضابط اتصال جديد هو إدوارد هندرسون الذي أقام علاقات طيبة مع القبائل ومع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المقيم في أبوظبي بصفة خاصة، وقد كان لهندرسون جهود طيبة في تمهيد الطريق سياسيًّا أمام عمليات الشركة في المنطقة.
ويدور الفصل العاشر من الكتاب في غرب حضرموت، وفي هذه المنطقة سارت البعثة على طريق سان جون فيلبي الرحالة الذي توجّه إلى شبوة، وكان مستشاراً للعاهل السعودي، واهتم مايك في هذا الفصل كما في باقي فصول الكتاب بالجوانب السياسية، والعلاقات بين القبائل.
وفي رحلة هي الأولى لزوجته هيثر إلى الشرق الأوسط يرسم مايك صورة واضحة للقبائل ولتفاصيل الحياة التي عاشها معها.
ويظهر مايك خبيراً محنكاً في الفصل الثاني عشر، وقد أصبح رئيس فريق جيولوجي في شركة الامتيازات النفطية المحدودة (محمية عدن) وقد عهد إليه القيام ببعثة إلى شمال حضرموت، وإلى مخيم ثمود، وقد كان الماء قليلاً جدًّا في الصحراء الموحشة والاقتصاد في استهلاكه واجب.
وفي الفصل الثالث عشر يعود المؤلف إلى عُمان؛ إذ إن شركة نفط العراق ظلّت عازمة على استكشاف الداخل العُماني في مخيم دقم وجادة الحراسيس، ويتابع الكتاب في الفصل الخامس عشر رحلة استكشاف عُمان، ليعود في الفصل السادس عشر إلى البريمي ومع مواصلة استكشاف النفط يعود الكتاب إلى قضية البريمي، ومن البريمي إلى جادة الحراسيس، ثم إلى الجبل الأخضر في عُمان، ويصف في الفصل السابع عشر بدقة شديدة الخارطة السياسية في عُمان الموزعة بين السلطان والإمام وبعض القوى الداعمة لهذا أو لذاك.
وفي الفصل الثامن عشر يتذكر المؤلف رحلاته إلى دبي في السيارة، ويشيد بأخلاق عرب الصحراء الذين يغيثون الملهوف، ويشير إلى أن أبوظبي كانت هي النجم الأكثر سطوعاً والأكثر تفاؤلاً بإيجاد النفط في أرضها بعد اكتشافه في حقل (مربان).
ويتابع الفصل التاسع عشر نشاط استكشاف النفط في شبه جزيرة مسندم، وتحفل باقي فصول الكتاب بذكريات عن الطبيعة وأساليب العلاج، والأطعمة وتغيرات الحياة بوتيرة بطيئة في البلاد التي قامت الشركات بالتنقيب عن النفط فيها.
الكتاب يسرد ذكريات مؤلف (في قلب الصحراء)، وواقع الحياة في الماضي ويحتوي على عدد كبير جدًّا من الصور التي تؤيد معلومات الكتاب.
الكتاب: في قلب الصحراء
الناشر: الأرشيف الوطني، أبوظبي، 2016، الطبعة الأولى، 425 صفحة.