الأرشيف والمكتبة الوطنية ينظم ندوة “الصناعات الثقافية من النظرية إلى التطبيق” في موسمه الثقافي2022
تجارب عالمية رائدة يمكن تجسيدها، وتوصيات تسهم بالارتقاء بالصناعات
الأرشيف والمكتبة الوطنية ينظم ندوة "الصناعات الثقافية من النظرية إلى التطبيق" في موسمه الثقافي2022
نظم الأرشيف والمكتبة الوطنية ندوته الثانية في إطار موسمه الثقافي 2022 بعنوان: "الصناعات الثقافية من النظرية إلى التطبيق" لما لها من أهمية في حفظ الهوية الوطنية، وبوصفها جزء مهم من ثقافة الشعوب واقتصادها، وأحد مصادر الدخل القومي، وهي داعمة للإبداع، ولها قيمة مادية ومعنوية كبيرة، ويتوجب غرس مبادئها في نفوس النشء، وتناقلها عبر الأجيال، وقد غدت الدول المتقدمة في العالم تصنف مردودها ضمن مؤشرات الدخل الوطني.
وقد أكدت الندوة -التي أدارها السيد حمد المطيري مدير إدارة الأرشيفات في الأرشيف والمكتبة الوطنية- أن دولة الإمارات العربية المتحدة تولي الصناعات الثقافية أهمية كبيرة، وأن القيادة الرشيدة تقدم الدعم لهذه الصناعات، والرعاية للمهتمين بها.
شارك في الندوة نخبة من الخبراء والمختصين في مجال الصناعات الثقافية، وقد ناقشوا الموضوع من عدة جوانب، وعرضوا في الندوة مشاريع أثبتت نجاحها؛ كالتجربة الصينية، والتجربة الإيطالية، وسلطوا الضوء على النجاح الذي حققته دولة الإمارات في هذا المجال.
ثمنت السيدة صافية درويش القبيسي، خبيرة التراث والحرف التقليدية في الإمارات التشجيع المستمر والاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة في دولة الإمارات للصناعات الثقافية وللحرفيين، مشيرة إلى أن هذا الاهتمام ليس حديثاً في دولة الإمارات؛ إذ كان المؤسس والباني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- مهتماً بهذه الصناعات، وقد قدم الدعم للرائدات في الصناعات التقليدية وكان – رحمه الله- يشجعهن في جميع المناسبات.
وركزت خبيرة التراث والحرف التقليدية في الدور الهام الذي تلعبه الصناعات الثقافية وتأثيرها الإيجابي على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية، حيث أنها تعتبر من أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً مع اعتمادها على الموارد الفريدة والمتجددة في جميع مجالات التراث والحرف اليدوية؛ مشيرة إلى أهمية مواكبة التكنولوجيا الحديثة واللحاق بركب الثورة الرقمية، وتسخير أدواتها للابتكار والحفاظ على الصناعات الثقافية وتطويرها ونقلها للأجيال في أبهى صورة، وبينت أن الصناعات الثقافية والإبداعية قد تركت أثرها الإيجابي في تقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز التبادل المعرفي والثقافي بين مكونات المجتمع، وفي الحفاظ على الموروث الثقافي والإبداعي.
واستعرض الدكتور أحمد السعيد مؤسس ومدير عام مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية- أحوال وتفاصيل التجربة الصينية في تنمية الصناعات الثقافية والتي أصبحت أحد مصادر الدخل القومي المهمة للصين، وشرح سبل الاستفادة منها عربياً.
وركز السعيد في مفهوم الصناعات الثقافية في الصين، وفي مراحل تطورها، ثم عمد إلى تحليل الوضع الراهن لحجم تطور سوق الثقافة الصينية والصناعات ذات الصلة، مشيراً إلى النهج الرئيسي لتعزيز تنمية الصناعات الثقافية هناك، والعوامل المؤثرة في تطورها، وفي محاولة لتجسيد التجربة الصينية في وطننا العربي؛ تطرق السعيد إلى سبل تأطير صناعاتنا الثقافية العربية وإمكانية تحولها إلى مصدر دخل وفخر في الوقت ذاته.
وقدم الدكتور محمد التداوي وهو مؤرخ المصري وخبير متاحف مقيم في إيطاليا عرضاً لمشروع إيطالي تبنته شركة (أرسينال23) الإيطالية منذ خمسة أعوام، تضافر فيه التراث الإيطالي مع أكثر التقنيات حداثة، ويتمثل هذا المشروع بالحافلات التي صمم زجاجها بحيث يشعر الراكب بالصوت والصورة وكأنه يتجول في رحاب الحضارة الرومانية قبل مئات السنين، وأشار التداوي إلى أن هذه التجربة ليست إلا تطويراً لمشروع "الصوت والضوء" الذي يخصّ الآثار المصرية القديمة، وقد بلغ هذا المشروع ذروته في ستينيات القرن الماضي؛ إذ طبقت ذلك الاختراع على سطح الهرم، وقد استحوذ على اهتمام الناس حينذاك.
ويشير التداوي إلى أن المشروع الإيطالي قد أُطلق عليه (المدن غير المرئية) حيث يستطيع المستخدم أن يطوف الشارع القديم في مدينة روما وهو داخل الحافلة ليسمع، ويرى من نوافذها بمساعدة الشاشات الشفافة والواقع الافتراضي والواقع المزود الوضع الذي كان عليه الشارع بكافة تفاصيله منذ عشرين قرناً؛ أي في عصر كانت فيها المدينة عاصمة لأقوى الإمبراطوريات.
ويرى التداوي أن هذا المشروع يمكن تطبيقه بنجاح في بلادن العربية، ففي المدينة المنورة مثلاً يمكن بهذه التجربة إمتاع الزوار بعرض جوانب من هجرة النبي ﷺ وحياته في المدينة المنورة، وكذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة فإن هذه التجربة ستنجح في تقديم عرض ممتع للحياة في العصور الماضية، وهذا ما يرسخ تاريخ الإمارات، ويؤكد أن شعبها قد شيد أمجاداً في الماضي.
هذا وقد اختتم المشاركون الندوة بالتوصيات التي يمكن أن ترتقي بهذا المجال، وقد ركزت التوصيات بمجملها حول ضرورة تسخير البحث العلمي، وأهمية الملكية الفكرية، والبُعد عن البيروقراطية في هذا المجال الثقافي والاقتصادي الهام.
وأكد المشاركون أهمية دور الدولة في إدراك أهمية هذه الصناعات في الحفاظ على الهوية الوطنية، وكونها جزءاً مهماً من الدخل الوطني، وأهمية وضع الخطط والرؤى المستقبلية للصناعات الثقافية، ونشر هذه الصناعات في المناطق الشعبية الفقيرة، وضرورة تخصيص الأماكن والأسواق للتعريف بتفاصيلها، وتشجيع الأجيال على المحافظة عليها، وتخصيص منافذ لبيع منتجاتها.
وتأكيداً على أهمية البحث العلمي في هذا المجال، اختتم مدير إدارة الأرشيفات الندوة بقول للقائد الخالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: "إن العلم والثقافة أساس تقدم الأمة وأساس الحضارة وحجر الأساس في بناء الأمم، أنه لولا التقدم العلمي، لما كانت هناك حضارات ولا صناعة متقدمة أو زراعة تفي بحاجة المواطنين".
ويذكر أن الأرشيف والمكتبة الوطنية قد أطلق أجندة موسمه الثقافي للعام الجاري 2022، وهي تضم موضوعات متنوعة ذات بُعدٍ تاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من الندوات، وإلى إتاحة هذه الثقافة الأصيلة للجمهور مما يعزز الانتماء للوطن والولاء لقيادته الرشيدة، ويقدم للجمهور معلومات ومعارف دقيقة وموثقة وهذا من صلب رسالته.