الأرشيف الوطني يطلق كتاب (إيضاح المكنون في سيرة الشيخ طحنون)
يسلط الكتاب الضوء على سيرة طحنون بن شخبوط رابع حكام آل بوفلاح
الأرشيف الوطني يطلق كتاب (إيضاح المكنون في سيرة الشيخ طحنون)
أطلق الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة كتاب (إيضاح المكنون في سيرة الشيخ طحنون بن شخبوط آل نهيان) وهو غني بأخبار عن الأحداث التي حصلت في إمارة أبوظبي وغيرها إبان حكم الشيخ طحنون بن شخبوط، وتبرز أهمية الكتاب أيضاً من كونه واحداً من أحدث إصدارات الأرشيف الوطني، وهو يوثق سيرة رابع حكام آل بوفلاح الشيخ طحنون بن شخبوط آل نهيان (1818-1833م) والدور الكبير الذي قام به في تاريخ قبيلة بني ياس خاصة وتاريخ الإمارات عامة، وأحداث فترة حكمه؛ باعتباره أبرز شيوخ آل نهيان الكرام في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وقد بلغت قبيلة بني ياس في عهده أوج قوتها وبلغ نفوذها أقصى اتساعه فامتدّ ليشمل أبوظبي ودبي، وأجزاء من شبه جزيرة قطر، وليوا، والظفرة، وأطراف بادية العين وواحاتها.
وتشير المقدمة إلى أن الشيخ طحنون كان يمتاز بقوة الشخصية والشجاعة والسخاء، وبُعد النظر والحكمة، وكان قائداً متميزاً عُرف بفطنته وقدرته الدبلوماسية والعسكرية على إدارة الأزمات وخوض المعارك، وحاكماً عادلاً اتسم نظام حكمه بالعدل والأخذ بمبدأ الشورى والمساواة بين جميع أفراد قبيلته؛ ففي فترة حكمه لم تخضع قبيلة بني ياس لأي من خصومها؛ إذ كانت بمثابة ميزان بين القوى المحلية المتنافسة، وهم: العمانيون والقواسم، والسعوديون.
ويستهدف الكتاب من إحياء سيرة الشيخ طحنون إبراز ما لهذا الأمير الفلاحي من المآثر والذِكر الحَسَن أثناء فترة توليه حكم إمارة بني ياس: أبوظبي ودبي.
المبحث الأول من الكتاب جاء بعنوان: "آل بو فلاح الهلاليون ونشأة إمارتهم"، وهنا يُعيد الكتاب نسب شيوخ إمارة أبوظبي من آل نهيان الكرام إلى عشيرة آل بو فلاح الهلالية من قبيلة بني ياس، وهي قبيلة عربية يعود نسبها إلى قبيلة عبد القيس الربعية العدنانية، ويُجمع كلّ النسابين والشعراء والرواة على أن آل بو فلاح ينحدرون من جدٍ لهم اسمه هلال؛ فقد وردت إشارات تاريخية قديمة تنسب آل بو فلاح إلى هلال.
ويشير الكتاب إلى أن اسم أسرة آل نهيان قد ارتبط بتاريخ قبيلة بني ياس ارتباطاً وثيقاً مُذ عُرف أول أمير منهم في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، وتعتبر هذه الأسرة الكريمة من أقدم الأسر الحاكمة على امتداد ساحل الخليج العربي.
ويتناول المبحث الثاني جوانب من حياة الشيخ طحنون، بدءاً من اسمه فمولده، ثم أسرته وقبيلته، ونشأته وعصره، وصفاته وأعماله، وصولاً إلى وفاته بعد أن حكم مشيخة بني ياس خمسة عشر عاماً.
ويستعرض هذا الفصل أعماله الجليلة التي ابتدأها بتحصين إمارته، ثم بدعم مسيرة العمل الاقتصادي، وله بصمات واضحة في الجوانب الإنسانية وفي المجالات الاجتماعية والعلاقات القبلية الودية.
وجاء المبحث الثالث بعنوان: الشيخ طحنون في عيون السياسيين والضباط البريطانيين، وقد أجمع أولئك الذين عملوا في الخليج العربي على أن الشيخ طحنون كان ذا شخصية قيادية فذة يحترمها جيرانه، ويهابها أعداؤه، وكان يتمتع بقدرة فائقة على إدارة الأزمات ومعالجة الاضطرابات، وأثنوا على صفاته الخُلقية النبيلة التي كان يتحلى بها.
وكان الشيخ طحنون يحظى بمكانة بارزة بين شيوخ الإمارات والقوى الإقليمية الأخرى جعلت الملا حسين الوكيل المحلي للمصالح البريطانية في الإمارات يُعبر عن خوفه من حدوث اضطرابات داخلية بعد وفاته قد تؤدي إلى اختلالٍ في ميزان القوى السياسية في المنطقة.
لقد كان الشيخ طحنون بن شخبوط من الشخصيات الهامة التي أدركت حقبة الشاعر علي بن محمد (محين) الشامسي، ومن المحتمل أنه هو ووالده الشيخ شخبوط نالا قسطاً من مدائحه.
أمسك الشيخ طحنون بالسلطة بعد رحيل أخيه محمد بن شخبوط، وعمل مع والده في إدارة دفّة الحكم بتأييد من قبيلة بني ياس وقبيلة المناصير الموالية له، وتجلت براعته في الحكم من معالجته للعديد من القضايا الكبرى حينذاك مثل قضية ديرة، وفي العلاقات مع البحرين، وتوسطه لإحلال السلام بين الأطراف المتنازعة في البريمي حينذاك، وقد أشار الشاعر محين الشامسي إلى هذا الصلح في لاميته التي أثنى فيها على الشيخ طحنون من آل نهيان وأسلافه الهلاليين:
عقب ند العرق ما كنا جميع خوصبيّ بات في قلبي اشتعال
عاضنا الله عن رفاقتنا بقوم من مشاهيب الحروب بني هلال
ويسلط الكتاب الضوء على قضية دبي وآل هزاع بن زعل، وعلى ثورة صحار 1830م، وصولاً إلى إبريل 1833 حيث غيّب الموت الشيخ طحنون، وكانت وفاته خسارة كبيرة ليس لبني ياس فحسب، بل لحلفائه العمانيين أيضاً.
وينتهي الكتاب بالخاتمة التي تركز في الصفات القيادية والحنكة السياسية التي ورثها الشيخ طحنون من والده الشيخ شخبوط إلى جانب القوة العسكرية والاقتصادية، وتضافر تلك المزايا في شخصه مكنّه من حكم إمارة مترامية الأطراف، وقد حقق أيضاً نجاحاً بارزاً في التواصل إلى التوقيع على معاهدة السلام الدائم عام 1820 مع السلطة البريطانية، وقد شهدت إمارة أبوظبي نمواً اقتصاديا متزايداً، وفي فترة حكمه لم تخضع قبيلة بني ياس لأي من خصومها. والجدير بالذكر أن الكتاب قد أيّد محتوياته بالوثائق والخرائط التوضيحية، وقد أشار الدكتور فالح حنظل في مقدمة الكتاب إلى أن المؤلف اتبع الأسلوب الصحيح في عملية التقصي التاريخي؛ وذلك بالاعتماد على المصادر ثم تفسيرها وذِكرِ أسباب الوقائع وعِللها ودواعيها. وهو بالقدر الذي اعتمد فيه على الوثائق البريطانية، إلا أنه قارنها بما توفر لديه من مصادر إماراتية وخليجية لكي يحصل على مادة وفيرة تُعينُ على تصوير الماضي تصويراً واضحاً، وهو بهذا نجح بشكل جيد، وامتاز عن غيره من المؤرخين الذين كتبوا عن تاريخ الإمارات واعتمدوا على المصادر الأجنبية فقط واستكانوا لها، لذلك قدّم لنا بكل جرأة قضايا محورية في أسباب الصراعات التاريخية التي لا يخلو منها أي مجتمع، ويقارنه بما ينعمُ به مجتمع الإمارات اليوم من أمان وسلام ورفعة ومجد.
الكتاب: إيضاح المكنون في سيرة الشيخ طحنون (1818-1833م)
الناشر: الأرشيف الوطني، أبوظبي، 2017، الطبعة الأولى، 229 صفحة.
تأليف: عبدالله بن محمد المهيري