عملية ترميم الوثائق
يحدث كثيراً حتى في الدول المتقدمة والدول التي لها باعٌ طويل في علم الأرشفة أن يُهمل حفظ الوثائق، والكتب، والصور، والخرائط التي يكون لها أهمية علمية وتاريخية كبيرة. فحفظ الوثائق التاريخية علمٌ قائم بذاته له متطلباته، ومنهجيّته، وأساليبه التي لابد من السَّير عليها خطوة بخطوة لإطالة عمر الوثيقة لأطول فترة ممكنة. وليس نادراً ما تستدعي الحاجة إلى ترميم كمٍّ هائل من الوثائق التي لم تحظَ بالاهتمام المطلوب أو لم تتوافر لها الظروف المناسبة للحفظ.
مع مرور الوقت يُصاب العديد من الوثائق بالتلف، والضرر، والتآكل بفعل العوامل الطبيعية، أو الكيميائية، وسوء الاستخدام وكثرته، والحوادث مثل الفيضانات والحرائق. وفي كثير من الأحيان لا يتم اكتشاف الضرر أو التلف الذي أصاب الوثيقة إلا بعد أن يكون الضرر قد انتشر انتشاراً بليغاً فيها؛ لأنّ العوامل الحمضية جزء من المواد الكيميائية الموجودة في الورق، والحشرات والقوارض هي عوامل صامتة ويلاحظ تأثيرها أو الضرر التي تسببه بعد فوات الأوان. وقد يتذكر الكثير قصة وفاة سيدنا سليمان عليه السلام الذي لم تُعرَف وفاته حتى نخرت دودة الأرض عصاته. وهكذا الكثير من الوثائق التي لا يعلم عن تلفها حتى تنهار تماماً كالفتات.
إضافة إلى العوامل الصامتة، هناك العوامل المفاجئة: الكوارث الطبيعية والحوادث. ومن الكوارث الطبيعية التي ما زالت عالقة في كثير من أذهان الأرشيفيين هو زلزال أصاب البرتغال في القرن الثامن عشر؛ إذ أصاب أحد مستودعات الوثائق وأتى على جزء كبير من الخرائط التاريخية التي لا تقدر بثمن، ودخلت مياه الفيضانات إلى بهو أحد مقرات الأرشيف و المكتبة الوطنية الفرنسي، ودمرت الآلاف من الوثائق، وتطلب ترميمها بعد ذلك الكثيرَ من الجهد والمال. ومن أمثلة العوامل المفاجئة ما حدث في دار الكتب المصرية؛ إذ تسببت أعمال التخريب الإرهابية في احتراق كمٍّ هائل من الكتب والوثائق المصرية النادرة. وقد تدخل الكثير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوثائق التي احترقت جزئيًّا في أفضل الحالات وذلك لترميمها بأسرع وقت ممكن. ولا زالت تلك الجهود قائمة حتى لحظة كتابة هذا المقال.
يُعد سوء التخزين أكثرَ العوامل ضرراً على الوثائق؛ لأنه لا يمكن فعل أي شيء للوثائق التي كثيراً ما يشاهدها الأرشيفيون وهي تتآكل بسبب غياب الموارد المادية لتحسين ظروف التخزين. فهناك عدد كبير من الأرشيفات في كثير من دول العالم تفتقر مستودعات الوثائق فيها إلى مكيفات الهواء التي تساعد على التحكم في درجة الحرارة ومستوى الرطوبة اللتين تعدان من العوامل الرئيسة في عملية حفظ الوثائق.
أخيراً: سوء الاستخدام وكثرته؛ فهناك عدد من الوثائق التي تتعرض للكثير من الاستخدام على أيدي الجمهور الذي يكون العديد منهم جاهلاً بأساليب التعامل مع الوثيقة، أو قد يتعامل معها دون اهتمام كبير. وفي كثير من الحالات تكون الوثائق القديمة في حالة فيزيائية “ضعيفة”، فقد تكون أكثر هشاشة من الورق الحديث التي تعودت اليد على ملمسه. وكثيراً ما تتفتت أجزاء من الوثيقة بمجرد لمسها، إن لم تكن مغلّفة.
الترميم هو العنصر الأساس في مجال المحافظة على الوثائق والمخطوطات، وبانتهاء عملية التعقيم والمعالجة الكيميائية للوثائق والمخطوطات يبدأ قسم الترميم بترميمها جزئيًّا أو كليًّا، ويعتمد هذا الترميم على حجم الجزء المصاب ومدى الضرر الذي لحق بالوثيقة أو المخطوطة، وتشتمل هذه العملية على إجراء الترميم اللازم من حيث سد الثقوب، وإكمال الأجزاء المفقودة، وتقوية أوراق الصحيفة، كل هذا وغيره من عمليات الترميم الأخرى، ويعد قسم الترميم نموذجاً يُحتذى به عند إنشاء أقسام أخرى للترميم، فهو يعد معملاً متكاملاً من حيث التجهيزات الحديثة والمتطورة في مجال الترميم.
تجهيزات قسم الترميم:
يحتوي القسم على أحدث الطاولات المجهزة بلوحات مضيئة ومفاتيح كهربائية خاصة لعمل الترميم، إضافة
إلى عدد من الأجهزة الأخرى من أهمها:
• جهاز تقطير المياه: يقوم بتقطير المياه لاستخدامها بعد ذلك في عملية المعالجة وإزالة حموضة الوثائق.
• جهاز فك الأوراق الملتصقة: يعمل بالبخار، ويقوم بفك الوثائق والمخطوطات المتلاصقة التي يصعب فصل بعضها عن بعض.
• جهاز كبسولة “مايلر”: يستخدم لتغليف الوثائق بعد الانتهاء من الترميم.
• مكبس حراري: يستخدم لفرد الوثائق، وتجفيفها وكذلك يمكن استخدامه في ترميم بعض الوثائق والمخطوطات.
• جهاز التنظيف الجاف: يقوم بعملية التنظيف الجاف بشفط الأتربة والغبار الموجود في الوثائق، ويقوم أيضاً بتجفيف الوثائق والمخطوطات بعد معالجتها، وإزالة الحموضة منها ويتميز بسرعته، وهو جهاز تعقيم بالأوزون.
• الكاوية الحرارية: يستخدم في عملية الترميم اليدوي.
• جهاز سد الثقوب: يعمل على سد الثقوب الموجودة في الوثيقة حيث يتم عمل عجينة يراعى فيها سماكة الورق ولونه وتوضع بداخل الحوض المخصص مع الماء ثم يسحب الماء بواسطة شبكة تصريف صممت خصيصاً آلياً.
• جهاز تصفيح الوثائق: يرمِّم الوثائق ترميماً آليًّا؛ إذ يعتمد على تغليف الوثائق بواسطة أوراق مخصصة، ويعد جهاز الترميم الأول في الارشيف و المكتبة الوطنية.
• مقص ورق: يقص الوثائق حسب حجمها ومقاسها.
• مقص بولي اثيلين: يستخدم لقص المقاسات المطلوبة من رول البولي إثيلين.
• مكبس يدوي لكبس الوثائق والمخطوطات.
• مكبس هيدروليكي حراري: يستخدم في ترميم الوثائق، كما يمكن استخدامه على البارد في كبس الكتب.
• خزانة شفط الغازات السامة.
أنواع الترميم
- عملية فنية ذوقية تعتمد على المهارة اليدوية، وهي عملية تجميع الورق وتثبيته وتقويته، ومن ثم إعادة الوثيقة إلى شكل أقرب إلى أصلها؛ بترميمها وعلاجها من العوامل الطبيعية والكيميائية والبيولوجية. يجب على المرَمِّم أن يكون ذا خلفية علمية في ترميم الوثائق، وملمّاً بالقوانين الدولية لعمليات الترميم، وتشمل عملية الترميم:(أ) الترميم اليدوي.
(ب) الترميم بالتغليف بالرقائق البلاستيكية أو التصفيح الآلي lamination.
الترميم اليدوي هو استكمال الأجزاء المفقودة من الوثيقة، واستخدام أوراق متعادلة كيميائيًّا، وفي الوقت نفسه، بنفس درجة سمك ورقة الوثيقة الأصلية، وبنفس درجة اللون إلى حد ما.
الترميم الآلي مرحلة من مراحل الترميم، وبعدها مرحلة الترميم اليدوي؛ لتجميع واستكمال القصاصات والأجزاء المفقودة من أوراق الوثيقة؛ فنحصل على الشكل النهائي لورقة وثيقة ذات متانة ومرونة وشكل جيّد.
يجرى هذا الترميم في الوثائق شديدة التلف التي يصعب ترميمها باليد، وبمعنى أدق للوثائق على حافة التدمير والانشقاق؛ لإنقاذها وعدم فقد المحتوى الوثائقي لها، ويُجرى ذلك بحذر شديد؛ لاستخدام الحرارة.